السبت، 28 فبراير 2015

متي نراهم في الدوحة

امريكا ترسل وفدا الى الدوحة للتفاوض مع حركة "طالبان" للتوصل الى اتفاق سلام.. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: متى ستفتح "الدولة الاسلامية" سفارة لها في الدوحة وتنخرط في مفاوضات مماثلة مع الادارة الامريكية؟
قبل 13 عاما، وبالتحديد في تشرين الاول (اكتوبر) عام 2001 اعتبرت الولايات المتحدة الامريكية حركة "طالبان" بانها حركة ارهابية تدعم تنظيم "القاعدة" وتوفر له الملاذ الآمن، وقررت شن حرب عليها لتدميرها وانهاء حكمها لافغانستان الذي استمر خمس سنوات تقريبا كرد على هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر).
اليوم تنخرط الادارة الامريكية في مفاوضات مباشرة مع الحركة الارهابية نفسها، وترسل وفدا رفيع المستوى الى العاصمة القطرية الدوحة لفتح حوار معها يسهل عملية انسحابها من افغانستان ونقل السلطة اليها، اي حركة طالبان.
حركة طالبان "الارهابية" فتحت مكتبا في الدوحة بموافقة امريكية عام 2013 كخطوة اولى لتسهيل عملية التفاوض، والتسليم بالاعتراف بها، ولكنها اضطرت لاغلاقه بعد شهر، لان حميد كرزاي اشتاط غضبا من هذه الخطوة اولا، ولان حركة طالبان رفعت علمها على المبنى، ووضعت لافتة في مقدمته تقول انه "سفارة امارة افغانستان الاسلامية" ثانيا.
الحكومة الامريكية طلبت من حركة طالبان ازالة هذه اللافتة وانزال علمها من على المبنى، ولكنها رفضت ذلك رفضا قاطعا، واكدت ان هذا العلم وتلك اللافتة هما جزء من الاتفاق الذي تم التوصل اليه وبالتالي هي ملتزمة به وجرى اغلاق المكتب (السفارة) في تموز (يوليو) عام 2013 بعد شهرين من افتتاحه في حفل رسمي حضره وزير الخارجية القطري في حينها الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني وعدد من السفراء الدبلوماسيين المعتمدين في الدوحة.
الادارة الامريكية نفت في تصريح رسمي للمتحدث باسم البيت الابيض عقد اي لقاء مع مسؤولين في حركة "طالبان" في الدوحة "في هذه المرحلة" في اطار محادثات سلام، لكن وكالة الانباء الفرنسية نقلت عن المتحدث باسم حركة طالبان السيد دبيح الله مجاهد تأكيده بان وفد حركته موجود حاليا في العاصمة القطرية من اجل لقاء وفد امريكي.
الادارة الامريكية تكذب، وكذلك البيت الابيض والمتحدثين باسمه، وهناك سوابق عديدة تؤكد ما نقوله، الم يؤكد ساكن هذا البيت الرئيس الامريكي بوش الابن بأن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يملك اسلحة كيماوية وبيولوجية؟ الم يقل المتحدثون باسمه (البيت الابيض) ان حركة طالبان ارهابية لن يتم التفاوض معها مطلقا وجرى لحس هذا الكلام مبكرا عندما التقى مسؤولون من الطرفين اكثر من مرة في الدوحة وغيرها؟
حرطة طالبان، وبفضل مقاومة شرسة على مدى 13 عاما، الحقت خسائر مادية (ترليون دولار) وبشرية (اكثر من 1500 قتيل) في صفوف القوات الامريكية، واجبرت الادارة الامريكية على التفاوض معها من اجل انسحاب آمن لقواتها.
رحيل الرئيس السابق حميد كرزاي من السلطة، ووصول اشرف غني الى سدة الحكم هو الذي ادى وسيؤدي الى هذه المفاوضات، وانتقالها من جانبها السري الى العلني، فالرئيس غني، وعلى عكس سلفه كرزاي، يفضل الحوار والتوصل الى تسوية سلمية للصراع الدموي في بلاده، خاصة انه يدرك ان حركة طالبان تسيطر على اكثر من ثلثي البلاد.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة على ضوء ما تقدم: متى ستعترف الولايات المتحدة بـ"الدولة الاسلامية" وتعطي الضوء الاخضر لدولة قطر بفتح سفارة لها في الدوحة؟

نعتقد ان هذا اليوم ليس ببعيد.. والايام بيننا!
"راي اليوم"

المصالح

انهارت المصالحة المصرية القطرية "الهشة" مبكرا.. ونجحت "الدولة الاسلامية" في تأجيج الصراع وخلق صداع "اشد" لمجلس التعاون الخليجي في مشرق العرب ومغربهم.. ما هو موقف السعودية وعاهلها الجديد في هذه الازمة؟ ولمن ستنحاز؟
عبد الباري عطوان
يبدو ان "الدولة الاسلامية" لم تنجح فقط في جر النظام المصري الى "المحرقة" الليبية مثلما نجحت قبل ذلك في توريط امريكا وحلفائها في المستنقع الدموي العراقي السوري، وانما في نسف المصالحة القطرية المصرية "طرية العود" وخلق صداع مزمن لدول مجلس التعاون الخليجي، وضعها امام خيارات استراتيجية صعبة.
الصدام المصري القطري خرج اخيرا الى العلن، بعد ان كان مكبوتا ومسكوتا عنه، وانتقل من القنوات التلفزيونية الفضائية والصحف الى اروقة الجامعة العربية، وبات يؤشر الى احتمالات تقسيم مجلس التعاون الخليجي على ارضيته الى معسكرين، واحد مع مصر، وآخر مع قطر، اذا لم يتم تطويق هذا الخلاف بسرعة، وهذا امر في قمة الصعوبة.
***
نشرح اكثر ونقول ان جهود المصالحة بين البلدين التي بذلها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسخر لها الجزء الاكبر من وقته وعلى حساب صحته المتدهورة، بعد نجاحه في حل ازمة العلاقات بين قطر والدول الخليجية الثلاث التي سحبت سفراءها من الدوحة (السعودية والامارات البحرين) وفق بنود "اتفاق الرياض التكميلي" الذي جرى التوصل اليه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تتبخر بسرعة وان هذه المصالحة ظلت على السطح وقبلتها الدولتان على مضض، احتراما لمكانة العاهل السعودي، فمصر الرئيس السيسي لم تغفر لقطر مطلقا دعمها لحركة الاخوان المسلمين، وقطر لن تنسى مطلقا انقلاب السيسي الذي اطاح بحليفها الاوثق محمد مرسي، وافسد عليها الركن الاساسي لاستراتيجيتها في المنطقة، اي كسب مصر الى جانب حلفها مع تركيا، وهي الاستراتيجية التي وضعتها في مقعد قيادتها، ولعب دور رئيسي في شؤونها رغم صغر حجمها البشري والجغرافي.
الشرارة التي فجرت الخلاف جاءت اثناء مناقشة البيان الصادر عن اجتماع جامعة الدول العربية قبل يومين على مستوى المندوبين، حيث تحفظ المندوب القطري على الفقرة التي "تقر بحق مصر في الدفاع الشرعي عن نفسها وتوجيه ضربات الى ليبيا"، وفقرة اخرى تطالب "برفع الحظر الدولي المفروض على ارسال اسلحة الى ليبيا"، الامر الذي اثار غضب المندوب المصري طارق عادل الذي رد على هذين التحفظين، والاول خاصة، باتهام دولة قطر "بدعم الارهاب".
المندوب المصري ضرب على عصب قطري حساس للغاية، وهو الاتهام بدعم الارهاب، لان مثل هذا الاتهام يطارد مسؤوليها (اي قطر) في كل مكان، خاصة هذه الايام في الدول الغربية، بسبب دورها في سورية، وهو اتهام خطير جدا لانه لو جرى اثباته، وهذا صعب حتى الآن، سيعني وضع قطر على قائمة الارهاب وتجميد جميع ارصدتها المالية، وفرض عقوبات اقتصادية عليها على غرار ما حدث لايران بعد الثورة الخمينية، حيث تواجه حصارا شرسا منذ ثلاثين عاما، ايران صمدت في وجه الحصار لانها دولة عظمى، ولكن ماذا يمكن ان تفعل قطر بدون اموالها؟
الحكومة القطرية ردت بعنف على المندوب المصري ووصفت تصريحه بانه "موتور" ويخلط "بين ضرورة مكافحة الارهاب وبين قتل المدنيين وحرقهم بطريقة همجية"، وقالت "ان المندوب المصري جانبه الصواب والحكمة ومبادىء العمل العربي المشترك".
مجلس التعاون الخليجي يجد نفسه هذه الايام في مأزق صعب وجديد يضاف الى مآزقه الاخرى المتفاقمة، فهل ينحاز الى دولة قطر العضو فيه ويحافظ على ما تبقى من وحدته وتماسكه، وهو قليل على اي حال، ام الى مصر التي يعتبرها رأس الحربة في استراتيجيته لمكافحة الارهاب والحرب التي يشنها على حركة "الاخوان المسلمين".
يبدو ان المجلس اختار الانحياز الى جانب دولة قطر "كلاميا" على الاقل، وكلف السيد عبد اللطيف الزياني امينه العام اصدار بيان يندد فيه بالاتهامات المصرية لقطر بدعم الارهاب ووصفها بأنها باطلة تجافي الحقيقة.
لا نعتقد ان السلطات المصرية ستكون مسرورة من بيان تنديدات السيد الزياني هذه والتي تتناقض مع منظورها للبعد الاستراتيجي في علاقاتها مع دول الخليج، وسترى ان هذه الدول تكاتفت ضدها في ظرف حرج تعيشه في ظل مقتل 21 مواطنا مصريا، ورفض الدول الغربية لمطالبها بقرار دولي يصدر عن مجلس الامن يؤيد التدخل العسكري في ليبيا تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة.
الامارات والكويت والبحرين تؤيد مصر بالمطلق ليس لانها استثمرت المليارات في دعم حكومة الرئيس السيسي (25 مليار دولار) حسب احدث التقديرات، وانما لانها ترى فيها حليفا استراتيجيا في مواجهة ايران والاسلام السياسي الذي ترى انه يهدد امنها واستقرارها.
وما زال من غير المعروف ما اذا كان الملك سلمان بن عبد العزيز سيسير على نهج شقيقه الراحل بتبني الموقف نفسه الداعم لمصر ام انه سيميل اكثر الى الكفة القطرية، الامر الذي لو تم سيحدث شرخا كبيرا قد يؤدي الى انهيار مجلس التعاون الخليجي كمنظمة اقليمية او اضعافه في افضل الاحوال.
***
مصر الرئيس السيسي تعيش حاليا مثل النمر المثخن بالجراح، حيث تخوض حرب استنزاف في سيناء من ناحية، وتنجر الى حرب اخرى في ليبيا، وقد تجد اكثر من مليون من عمالها يفرون بأرواحهم من الاخيرة، مما يعني تفاقم معدلات البطالة والازمة الاقتصادية بالتالي.
المؤشرات التي يمكن رصدها تؤكد ان الصدام المصري القطري شبه مؤكد في الايام المقبلة، ومحاولات "الترقيع" الخليجية المعهودة قد لا تعطي ثمارها هذه المرة، وكلا الطرفين يتعاطون مع هذه الازمة على طريقة الرئيس جورج بوش "من هو ليس معي فهو ضدي"، وبدأت التعبئة الاعلامية للصدام بين البلدين تنعكس في حشد القنوات الفضائية وشحذ "السنة" اذرعتها البشرية الضارية في العاصمة البريطانية على وجه الخصوص.
فاذا كانت الحرب بدأت باتهامات مثل "دعم الارهاب" والرد بتوصيفات مثل "قول موتور" وفي اهم محفل سياسي ودبلوماسي عربي (الجامعة العربية) وسحب السفير القطري، فعلينا ان نتصور كيف سيكون الحال في اجهزة اعلام فالته من كل عيار، وتأسست في الوطن العربي وخارجه من اجل النيل من الطرف الآخر بكل الطرق والوسائل؟
ما اجمل ان لا تكون طرفا في هذا الاستقطاب وهذا الصراع!

موسم الحجيج الي الرياض

موسم الحجيج الى الرياض: اردوغان يملك حاسة قوية لكسر عزلته وترميم سياسته الاقليمية.. والسيسي يتطلع الى المزيد من الدعم المالي والسياسي.. والعاهل السعودي الجديد في مرحلة استطلاعية قبل تحديد اسس سياسته الخارجية
عبد الباري عطوان
ان يزور الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الرياض السبت، ويليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فهذا يعني امرا من اثنين، اما ان تنضم المملكة الى المحور التركي القطري، او ان تنحاز الى المعسكر المصري، ولا خيار ثالث، لان مسك العصا من الوسط لم يعد مقبولا في ظل تدهور الاوضاع عسكريا وسياسيا وامنيا في منطقة الشرق الاوسط برمتها.
الرئيس التركي اردوغان الذي يملك حاسة شم سياسية قوية يشعر حاليا بنوع من العزلة، فمعظم حلفائه الذين راهن عليهم في اطار ثورات الربيع العربي وخاصة في حركة "الاخوان المسلمين" تعرضوا لنكسات كبرى، فقد خسروا الحكم في كل من مصر وتونس وجزئيا في ليبيا، وخرجوا من المشهد السياسي في اليمن على ايدي الحلف الحوثي العلي عبد الله صالحي، ويترنحون في سورية حيث تبخرت احلامهم في اطاحة سريعة لنظام الرئيس السوري بشار الاسد، وتغير الاولويات الامريكية باتجاه "اجتثاث" "الدولة الاسلامية" باعتبارها الخطر الاكبر في المنطقة.
المملكة العربية السعودية ايضا تعيش ظروفا صعبة، وتواجه اخطارا كبيرة، فالحوثيون يتمددون في اليمن، فنائها الجنوبي، والولايات المتحدة الحليف التاريخي للمملكة باتت اقرب الى ايران، وعلى وشك توقيع اتفاق تاريخي معها، ظاهره نووي، وباطنه اقليمي، فإدارة اوباما التي انهت عداء مع كوبا استمر اكثر من نصف قرن لن تتورع عن السير في الطريق نفسه تجاه ايران، واعادة اعتمادها الحليف الاقليمي الاقوى في الشرق الاوسط.
العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز يزن خطواته في السياسة الخارجية بميزان من ذهب بعد ان قطع شوطا كبيرا في ترتيب البيت السعودي الداخلي، ورغم كل الحديث عن سيره على نهج سلفه الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، الا ان كل الخطوات التي اتخذها داخليا تؤكد العكس تماما، ومن غير المستبعد ان يكون الحال نفسه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
***
هناك خيارات امام العاهل السعودي الجديد فيما يتعلق بالسياسة الخارجية:
• اولا: ان ينخرط في تحالف "سني" تركي قطري في مواجهة البروز الكبير للقوة الايرانية "الشيعية"، ويحاول في هذه الحالة استمالة الرئيس السيسي الى هذا التحالف، وتحقيق مصالحة تركية مصرية للتمهيد لبناء هذا التحالف، وهذا امر غير مستبعد وهذا يعني ايضا تخفيف حدة العداء تجاه حركة "الاخوان المسلمين" ورفعها من قائمة "الارهاب" السعودية.
• ثانيا: السير على النهج نفسه الذي سار عليه العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز اي وضع استراتيجية لمشروع عربي "ليبرالي الطابع" يرتكز على دعم مطلق للرئيس السيسي، والعداء المطلق لحركة "الاخوان المسلمين" والتيارات الاسلامية الاخرى المتشددة، والتقرب من دول مثل دولة الامارات العربية المتحدة والبحرين وليبيا خليفة حفتر وتونس الباجي قايد السبسي.
• ثالثا: العودة الى مدرسة الملك فهد بن عبد العزيز السياسية في مرحلة ما قبل الحرب على العراق، اي تجنب الانضمام الى اي من المحاور الاقليمية بقدر الامكان، والابقاء على مسافة واحدة من الجميع ولعب دور "حمامة السلام" في الخلافات العربية، وما يتطلبه هذا من الابقاء على مسافة واحدة من الجميع.
• رابعا: العودة الى الثوابت العربية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وكبح جماح الجناح السعودي الذي يتزعمه الامير تركي الفيصل الذي يسعى من اجل اقامة علاقات شبه طبيعية مع اسرائيل، ونسج تحالفات امنية وربما عسكرية معها، وكان لافتا ان الملك سلمان حرص على دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لزيارة المملكة، وكان على رأس مستقبليه في مطار الرياض، وهي سابقة لم تحدث حتى ايام الرئيس الفلسطيني الرمز ياسر عرفات.
من الصعب علينا ترجيح اي من الخيارات الاربعة، لان الملك سلمان لم يفصح حتى الآن عن مواقف حاسمة في سياسته الخارجية، وربما يقوم حاليا بعملية استطلاعية من حيث اللقاء بجميع الاطراف في المعادلة الشرق اوسطية ويستمع اليها الواحد تلو الآخر ثم بعد ذلك يقرر الخطوط العريضة لسياسته الخارجية.
السياسات الخارجية السابقة التي اتبعتها المملكة على مدى الثلاثين عاما الماضية كانت مليئة بالثقوب الاستراتيجية، فقد خسرت المملكة العراق عندما تحالفت مع امريكا على اضعافه وتغيير الحكم فيه، وخسرت الورقة الفلسطينية لصالح ايران وتورطت في مقامرة خاسرة (حتى الآن على الاقل) في سورية، وفقدت كل حلفائها في اليمن الذي ظل دائما تحت اجنحتها.
لا نعرف ماذا في جعبة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وماذا يمكن ان يعرضه على العاهل السعودي الجديد من مبادرات، ولكننا نعرف حتما ماذا في جعبة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خاصة اننا على اعتاب المؤتمر الاقتصادي الذي سيعقد في مصر لدعم الاقتصاد المصري، فالرئيس السيسي يريد ان يكون العاهل السعودي الجديد نسخة اخرى من سلفه الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز من حيث الوقوف بقوة في خندق مصر ودعمها ماليا وسياسيا حتى تتخطى ازماتها الاقتصادية والامنية الحالية.
العلاقات التركية السعودية لم تكن جيدة منذ الدولة السعودية الاولى قبل ثلاثة قرون، فهناك دائما صراع مرجعيات سنية بين مكة المكرمة واسطنبول والازهر، واي تحالف بين اي من المرجعيتين يأتي على حساب المرجعية الثالثة، وتتغير الازمان، ولكن الثابت الوحيد هو الصراع بين هذه المرجعيات جزئيا او كليا والتاريخ حافل بالوقائع في هذا المضمار، فعندما تحالفت مرجعية الازهر مع اسطنبول وصل ابراهيم باشا ابن محمد علي الى الدرعية عاصمة الدولة السعودية ودمرها، وعندما تصادمت المرجعيتان في مكة والازهر في اليمن وقفت اسطنبول مع الاولى ولو ظاهريا.
***
لم يكن من قبيل الصدفة ان تكون الاسابيع الاربعة الماضية هو موسم الحجيج الى الرياض خوفا وقلقا او رغبة في جس مياه القيادة السعودية الجديدة، فقد هرع اليها الامير تميم بن حمد آل ثاني امير قطر، وقبله امير الكويت صباح الاحمد، بعدهما الشيخ محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي ورجلها القوي، ومحمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، والاسبوع المقبل يحط الرحال فيها الرئيسان المصري والتركي.
العاهل السعودي الجديد لا يستطيع ان يطيل من العمر الزمني لمرحلة الاستطلاع الحالية، وبات ملزما لكشف ملامح سياسته الخارجية، وكل ما نتمناه ان يعود الى القضية الفلسطينية التي ترأس لجنة دعمها والمقاومة فيها لعقود طويلة، بعد ان فشلت مبادرة السلام السعودية وقوبلت بالاحتقار والاهمال من الطرف الاسرائيلي، فاذا جعل بوصلته تؤشر نحو المسجد الاقصى فهذا يعني ان الممكلة تتغير، واذا اشرت هذه البوصلة باتجاه قضايا اخرى فهذا يعني الغرق في مستنقع المحاور الطائفية الدموي.
لا نتعجل الحكم، ليس لاننا لا نملك بلورة سحرية فقط، وانما من منطلق التريث، وان كان لدينا شكوكنا ومخاوفنا في الوقت نفسه.

الجهادي جون

الجهادي جون" ذبّاح الرهائن الغربيين في "الدولة الاسلامية" بات نارا على علم في بريطانيا ويقدم خدمات اعلامية "جليلة" لـ"دولته".. لماذا هذه المبالغة الاعلامية به؟ وما هو خطرها على الجالية الاسلامية في بريطانيا؟ وهل يفي كاميرون بعهده ويقدمه للمحاكمة وكيف؟
بريطانيا مشغولة حاليا بـ"الجهادي جون" او "الذباح" الذي تولى اعدام الرهائن البريطانيين والامريكيين ذبحا امام الكاميرات، وظهر في اكثر من شريط على شبكة "اليوتيوب" وهو يقف منتصبا ملوحا بسكينه الحاده، وامامه ضحيته في لباسها البرتقالي الفاقع.
هذه الهيستيريا الاعلامية والرسمية تؤشر الى مدى نجاح استراتيجية "الدولة الاسلامية" في بث الرعب في صفوف الغربيين اولا، واحتلال العناوين الرئيسية في الصحف ونشرات التلفزة.
اختلفت الروايات حول هذا "الذباح" الذي قيل ان اسمه محمد اموازي ويحمل الجنسية البريطانية ومن مواليد الكويت، فمن قال انه اراد الانضمام الى تنظيم الشباب الصومالي المتشدد، وسافر الى تنزانيا لهذا الغرض، ومن اكد انه كان تحت مراقبة البوليس السري البريطاني ولكنه نجح في الذهاب الى سورية والانضمام الى "الدولة الاسلامية" وتخصص في ذبح الرهائن لانه يتحدث اللغة الانكليزية كأهلها.
وقبل "الذباح" جون اهتمت اجهزة الاعلام البريطانية بثلاث فتيات "ارهابيات" لا تزيد اعمارهن عن 15 عاما ذهبن الى اسطنبول والتحقن بصفوف "الدولة الاسلامية"، وتبين بعد ذلك انهن لم يذهبن الى سورية من اجل الجهاد، وانما الزواج من مجاهدين اسوة باحدى صديقاتهن التي فعلت الشيء نفسه.
ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني قال انه سيبذل كل جهد ممكن لالقاء القبض على "الجهادي جون" وتقديمه الى العدالة، ولكن لم يقل لنا كيف سينفذ تعهده هذا، فهل سيرسل قوات بريطانية خاصة من اجل هذا الغرض؟ وماذا لو فشلت هذه القوات في مهمتها.
ذهاب شباب مسلم للالتحاق بالجماعات "الجهادية" المتشددة كان نوعا من الاعمال البطولية في نظر الحكومات الاوروبية، والبريطانية منها خصوصا في بداية الازمة السورية، حيث كان رئيس الوزراء كاميرون اكثر الزعماء الاوروبيين حماسة لرفع الحظر عن ارسال السلاح الى سورية، وتسليح المعارضة السورية لتسريع الاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد ونظامه، الآن والازمة السورية تدخل عامها الخامس، ونجاح النظام في الخروج من عنق الزجاجة، تحول هؤلاء "المجاهدون" الى "ارهابيين" في نظر حكوماتهم.
"الذباح جون" لا يستحق كل هذه الضجة فهو مجرد "منفذ" لتعليمات رؤسائه، ومحاكمهم الشرعية التي تصدر احكام الاعدام وهو يقتل ذبحا من المسلمين اضعاف ما يقتل من البريطانيين والامريكان.
ويبدو ان "الدولة الاسلامية" تملك هيكلية واضحة لمسألة الاعدامات هذه التي توظفها في خدمة الجزء الاهم في استراتيجية الترهيب والارعاب، فالجلاد جون لم يكن هو الذي اشعل فتيل الحريق الذي التهم الطيار الاردني معاذ الكساسبة، مما يعني ان هناك متخصصين في الذبح وآخرين في الحرق.
المشكلة التي تكمن خلف هذه الضجة الاعلامية حول "الذباح" جون تتمثل في كونها تصب في مصلحة تأجيج الاحقاد على ابناء الجالية الاسلامية في بريطانيا، وصب المزيد من الزيت على نار "الاسلاموفوبيا" التي تزداد اشتعالا وتترجم الى اعمال عنف وترهيب ضد المسلمين.
حصر ذبح الرهائن الغربيين في شخص مسلم بريطاني، رغم ان السلطات البريطانية لم تؤكد رسميا ان هذا الشخص هو محمد اموازي، فان هذا يعني توجيه اصابع الاتهام الى الجالية الاسلامية وتحميلها بصورة غير مباشرة مسؤولية تصاعد الارهاب والعنف.
لا يخامرنا ادنى شك في ان "الدولة الاسلامية" تمارس التوحش في ابشع صوره، وتتحمل المسؤولية الاكبر في اضفاء صفة الدموية على المسلمين، ولكن لا يمكننا تجاهل التدخلات العسكرية الغربية في العراق التي وفرت الاسباب لنمو هذه الظاهرة وتوسعها ووصولها الى ما هي عليه حاليا، وهي اسباب معروفة ولا يتسع المجال لسردها.
"راي اليوم"