الخميس، 15 أكتوبر 2015

كم فلسطينياًّ قتل الصهاينة وليس كم “إسرائيلياًّ” قتل الفلسطينيون؟


ali-alheali-ok-new)

أ.د. علي الهيل

البي بي سي The BBC -التليفزيون The World Service في تغطيته اليوم عن ما يجري في فلسطين، صورت مراسلته الوضع و كأن الفلسطينيين هم المعتدون.  مثل هذه التغطيات المبتورة و المنحازة omitted and biased لصالح المعتدين الصهاينة؛ تشكل عملية ممنهجة لغسيل أمخاخ المشاهد البريطاني و غيره في العالم ممن ليست لديهم خلفية عن حقيقة الصراع في فلسطين.  هؤلاء الذين يحتلون فلسطين من اليهود الإشكناز و الأكرانيين و المغاربة و غيرهم ليسوا “إسرائيليين.”  هؤلاء صهاينة عنصريون قتلة فاشستيون نازيون.  أحد الأدلة على ذلك أن اليهود غير الصهاينة يختلفون معهم، ربما ليس بالضرورة على إحلال بريطانيا لهم في فلسطين و دعم أمريكا و الغرب كله لهم، و إنما على إصرارهم على تجاهل الحق الأدنى من حقوق الفلسطينيين الواردة في القرارات الدولية.  صحيح أن أمريكا و بريطانيا و الغرب كله توقيعهم على تلك القرارات.  بَيْدَ أنّ توقيعهم فحسب لأغراض البروباغاندا و الدعاية و للإستهلاك العالمي لإظهار أنفسهم على أنهم يناصرون الشعوب.  في الخفاء هم يؤيدون الكيان الصهيوني و يمنحونه الضوء الأخضر تلو الضوء الأخضر في إحجامه عن تطبيق تلك القرارات و لا ينصحونه على الأقل أن يرعويَ عن سلوكه الإرهابي المتمثل في مواصلة الإحتلال و التفتيت و سرقة الأرض و المياه و الأراضي الخصبة للزراعة و حرمان الفلسطيني من الحد الأدنى من الحياة التي تليق بالآدمي.  إنها أكبر و أفظع عملية تناقض مع الذات الأوروبية و الغربية المنعوتة بالديمقراطية و الدفاع عن الحريات و حقوق الإنسان.  قطعاً، هو الموقف الرسمي.  طبعاً؛ لا ريب في أن نسبة لا بأس بها من شعوب أمريكا و بريطانيا و فرنسا و أوروبا و الغرب يعارضون الموقف الرسمي.  بَيْدَ أنهم مثل كثير من العرب إلى حد ما لا حولَ لهم و لا قوة.  السبب تسلط أجهزة المخابرات الأمريكية و الأوروبية و الغربية على الرأي الشعبي.  الأمثلة كثيرة مثل ديفيد سنويدن موظف ال CIA السابق الموجود حالياًّ في روسيا الذي فضح زور و بهتان و نفاق بلده أمريكا المدعية أنها تحمي الحريات.  كذلك  السويدي أسانج راعي ال Wikileeks الموجود لهذا اليوم في داخل سفارة الأكوادور في لندن.

رغم ذلك نجد الإعلام الأمريكي و البريطاني و الغربي و الأوروبي لا سيما المتلفز لأنه الأكثر تأثيراً لعوامل الصورة الحية المتحركة مثل The BBC و الCNN رغم أنهما الأقل سوءاً من غيرهما لمساحة الحرية المتاحة لهما أكثر من غيرهما-يلوم الفلسطيني -الضحية للدفاع عن لقمة عيشه برمي حجر أو رفع سكين في مواجهة جيش جراّر و مستوطنين متوحشين مدججين بالسلاح الأمريكي و البريطاني و الفرنسي و الغربي و الأوروبي الأكثر حداثةً و فتكاً.

اليهود الذين يعارضون أن يكون لليهود أصلاً وطن مستقل في أي مكان هم حاخامات لندن اليهود.  لأنهم يَرَوْن أن اليهود ينبغي أن يعيشوا وسط أبناء بلدانهم من ذوي الديانات و الثقافات الأخرى.  هؤلاء الحاخامات لا يعتبرون من يوصف باليهود أو “الإسرائيليين” الذين يحتلون فلسطين بأنهم يهود أو “إسرائيليون.”  بل يعتبرونهم صهاينة عنصريين خارجين عن تعليمات التلمود، و لهؤلاء الحاخامات  تصريحات منشوره و معلنة في هذا المضمار.

الفلسطينيون صبروا صبراً لم يصبره أحد على أمل أن الموقعين على أوسلو سيحترمون توقيعهم و تعهداتهم و سيجبرون الصهاينة على ترجمة حبر الإتفاقيات إلى واقع معاش.  أوسلو ماتت منذ زمن بعيد لأنها لم تحدث أي تغيير و ما يحدث الآن تعبير عن ذلك.  ليس فقط أوسلو.  بل حل الدولتين مات أيضاً و لم يعد الآن سوى الكفاح المسلح الذي نراه من خلال ثورة السكاكين و المقلاع و الحجارة.  كما ذكر أحد شهداء الإنتفاضة الحالية أن قرار التهدئة ليس في يد السلطة و إنما في يد الشعب.  أدهشني أحد المستعربين الجدد و هو محافظ نابلس أكرم الرجوب الذي لم يستحِ أن يقول على الإحتلال أن يتوقف عن إنتهاك الحرم القدسي الشريف و هو و سلطته سيتولى قمع الثوار المقاومين.  طبعاً، هو أفراد سلطته منعّمون و أطفالهم في مأمن و رغد من العيش.  طبيعي لن يكترث بالفلسطينيين الذين إنتفضوا و ثاروا ضد الأحتلال ليس من أجل أنفسهم مباشرةً و لكنْ من أجل المسجد الأقصى و القدس الخط الأحمر الأكبر الذي من أجله لن يمانعوا بأنْ يفنوا جميعاً بعد أن تخلت لجنة القدس و منظمة التعاون الإسلامي عن الأقصى و هي التي في ١٩٦٩ تم تأسيسها من أجل المسجد الأقصى.  هي و غيرها لا تختلف عن سلطة رام الله.

لم يحدث أي تحسن لحياتهم بعد أكثر من عقدين من أوسلو.  للأسف سلطتهم التي يُفترض أنها حامية لهم، أضحت حامية لمصالحهم هم من في السلطة و حامية للأمن الصهيوني المتمثل في التنسيق الأمني و الجواسيس.

كل ذلك لم يجعل الفلسطينيين ينفجرون.  بَيْدَ أن الخط الأحمر الأهم لديهم و هو المسجد الأقصى و حرمة القدس الشريف هو الذي حركهم و جعلهم ينفجرون بالسكاكين و الحجارة و الصدور العارية.  هذا الخط الأحمر هو أهم من الخطوط الحمراء الأخرى كلقمة عيش أطفالهم التي يصادرها الإحتلالان السلطوي و الصهيوني.

الBBC اليوم تذيع أن ثلاثة “إسرائيليين” قتلهم فلسطينيون.  طبعاً لم تشرح كيف؟ لم تشرح أيضاً الBBC كم عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم “إسرائيل.” تظهر مراسلة الBBC تعاطفها مع الشرطي الصهيوني الذي قال لها كنت أريد أن أقتل الفلسطيني بيدي الذي دهس الصهاينة ثم ترجل من سيارته و استعمل السكين و طعن آخرين-و لم تشرح لمشاهديها أن الفلسطيني هذا هو من حقه أن يقاوم المحتل الذي يحرمه من أدنى حق في الحياة في حين أن كلاب و قطط الصهاينة في المستوطنات الصهيونية تعيش عيشة القياصرة.  لم تشرح المراسلة الإنجليزية لمشاهديها أن تلك المستوطنات أراضٍ فلسطينية القانون الدولي يجرِّمُ الكيان الصهيوني بسببها، و لم تشرح لمشاهديها صبر الفلسطينيين الذي تجاوز كل الحدود المتعارف عليها و أن للصبر حدوداً.

أستاذ جامعي و كاتب قطري

0 التعليقات:

إرسال تعليق