الجمعة، 25 ديسمبر 2015

الدكتور عثمان سعدي: في يوم اللغة العربية وما قاله أمين الزاوي


الدكتور عثمان سعدي: في يوم اللغة العربية وما قاله أمين الزاوي

 othman-saady.jpg66

وضع اللغة العربية في الجزائر:

   * وضع اللغة في الجزائر وباختصار: الجزائر ثورة ، وأي ثورة لا يمكن لها أن تُعتبر ناجحة إلا إذا حققت هدفين تحرير الأرض وتحرير الذات، وتحرير الذات لا يكون إلا بسيادة لغة البلاد، ثورة الفييتنام حققتهما الاثنتين انطلاقا من مقولة زعيمها هوشي مينه في كلام موجه للفييتناميين: “حافظوا على صفاء اللغة الفييتنامية كما تحافظون على صفاء عيونكم”. أما الجزائر فسيطر علي مصيرها الفرنكفونيون فحققت تحرير الأرض فقط، ولا زالت حتى الآن الذات الجزائرية مستعمَرة بسبب سيطرة الفرنسية ودعاتها على الدولة الجزائرية انطلاقا من المقولة المشؤومة للكاتب الفرنكفولي  كاتب ياسين “الفرنسية غنيمة حرب”. وليعلم الفرنكفونيون الجزائريون أن الثورة الفرنسية ثورة أسيادهم الفرنسيين أصدرت قانونا سنة 1794 نصت مادته الثالثة كما يلي: “كل من يوقع وثيقة ابتداء من يوليو بلغة غير اللغة الفرنسية يمْثل أمام محكمة حيه يُحكم عليه بستة أشهر سجنا ، وبالطرد من الوظيفة”

(Sera traduit devant le tribunal correctionnel de sa résidence condamné a six mois de prison et destitué)  هذا القانون هو (قانون تعميم استعمال اللغة الفرنسية) الذي احتفلت فرنسا بذكرى المائتين لصدوره وأصدرت سنة 1994 قانون حماية اللغة الفرنسة ـــ من اللغة الإنجليزية طبعا ـــ الذي سمي بقانون توبون lois toubon نسبة إلى وزير الثقافة جاك توبون المتحمس لحماية اللغة الفرنسية. والشيء بالشيء يذكر.. ففي سنة 1990 أصدر المجلس الشعبي الوطني برئاسة حبيب العربية عبد العزيز بلخادم قانون تعميم استعمال اللغة العربية الذي وقعه سنة 1991 حبيب العربية الشاذلي بن جديد، وجمده بمرسوم هوشي مينه الثورة الجزائرية محمد بوضياف، وألغى التجميد حبيب العربية الرئيس اليمين زروال، فأنهيت مهامه بسبب ذلك كرئيس دولة،  وجاء عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999 فجمده بلا مرسوم  وحول المجلس الأعلى للغة العربية الذي مهمته القانونية تطبيق القانون المذكور إلى أن يعمل كل شيء ما عدا تطبيق قانون تعميم استعمال اللغة العربية.

  * تكونت الحكومة المؤقتة في القاهرة وسطا عليها طلاب الفرنسية في الجامعات الفرنسية، فكوّنوا نواة إدارة الدولة الجزائرية في 1958 باللغة الفرنسية وبالقاهرة. وتوجوا ذلك بأن وقعوا اتفاقيات إيفيان سنة 1962 بنص واحد هو النص الفرنسي الذي مثل الوفدين الجزائري والفرنسي، ولسان حال أعضاء الوفد الجزائري يقول للفرنسيين “نحن وإياكم في هوية واحدة الفرق بيننا وبينكم شكلي”. بينما وقع الفييتناميون اتفاقية جنيف سنة 1954 التي أنهت الاستعمار الفرنسي بنصين الفييتنامي مثل الوفد الفييتنامي برئاسة فام فان دونغ والنص الفرنسي مثل الوفد الفرنسي. وعاد صناديد الـــ UGMA  (الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين) مع وضع خط تحت حرف M عادوا للجزائر سنة 1962 فوضعوا الأسس للدولة الفرنكفونية خائنين بذلك دماء مليون ونصف مليون شهيد.

   * ناضل الوطنيون الجزائريون في دولة الاستقلال فعربوا التعليم حتى شهادة البكالوريا والعلوم الاجتماعية في الجامعة، لكن الإدارة بقيت مفرنسة لسيطرة الفرنكفونيين عليها، بحيث يدرس الطالب الجزائري بالجامعة الاقتصاد والتجارة باللغة العربية ويوظف فيضطر للعمل باللغة الفرنسية.  كما بقيت العلوم والطب والتكنولوجية تدرّس باللغة الفرنسية، وبما أننا نعيش في عصر التكنولجية فإن الطالب الجزائري صار بحتقر لغته الوطنية لأنهم علموه أنها لغته خارج العصر. في الوقت الذي نجد فيه بلدا كألبانيا سكانه أربعة ملايين نسمة يدرس الطب والعلم والتكنولوجية باللغة الألبانية. علما بأن سكان الجزائر أربعون مليونا.

   * نتيجة لسيطرة الفرنكفونيين على مقاليد الدولة وسيطرة اللغة الفرنسية على مالية واقتصاد البلاد وصلت الجزائر إلى ما وصلت إليه من التخلف والتدنّي بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال ، بحيث صار سكان العاصمة يشربون الماء الذي تسيره شركة فرنسية، ويركبون الطائرات من مطار الهواري بومدين الذي تسيره شركة فرنسية، يعتزون بالطريق السيار الذي بناه اليابانيون والصينيون، يحترق سقف قاعة حرشة الرياضية فتعجز الدولة الفرنكفونية على بنائه فيبنيه الصينيون، إلى آخره… أنا لا اقارن بين الجزائر وتونس أو ليبيا أو المغرب أو، أو .. وإنما أقارنها بالفييتنام لأن القرن العشرين عرف أعظم ثورتين هما ثورة الجزائر وثورة الفييتنام. قمت بمقارنة سنة 2011 بين البلدين فوجدت أن الفييتنام بالفتنمة صدّر خارج المحروقات بما قيمته 34 مليار دولار بينما صدرت الجزائر بالفرنسة بما قيمته 2 مليار دولار بما فيها سكر وزيت ربراب الذي تستورد مادته الأولية بالعملة الصعبة. الفييتنام حقق أمنه الغذائي بينما الجزائر تعتبر أول بلد بالعالم يستورد الحليب… وأي بلد يقاس بماذا ينتج وليس بنطق الراء غينا… زرت مدينة بوستطن بأمريكا فاشتريت بدلة مصنوعة في الفييتنام.

   أمين الزاوي واللغة العربية

   استمعت إلى الدكتور أمين الزاوي في قناة النهار بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية حيث قال كلاما غريبا.. للقارئ الكريم أنني عرفت في التسعينيات من القرن الماضي أمين الزاوي كمحب للغة العربية حيث ترأس فرع الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية في وهران. لكن عندما أخذ منحة في باريس وحصل على الدكتوراه ـــ يقال أن المنحة التي حصل عليها من صندوق سلمان رشدي صاحب آيات شيطانية ـــ عاد للجزائر كإنسان آخر يشكك في أحقية اللغة العربية في أن تأخذ موقعها الذي اختاره الله لها بالجزائر. ونعود لما قاله:

   * أدلجة التعريب: نعم التعريب هو أيديولجية الجزائر مند نجم شمال إفريقيا وحزب الشعب وجمعية العلماء. والفتنمة أيديولجية الفييتنام، والكورنة أيديولجية كوريا، والبهاسا إيديولجية أندنوسيا…

   * يقول الزاوي بأن المعلمين المصريين شوهوا بالدين أفكار الأطفال الجزائريين، غريب هل الدين يشوه أو يحسّن… ليكن في علم ألزاوي أن المسيحيين العرب خدموا العربية، أجمل بيت قيل في اللغة العربية قاله الشاعر العربي المسيحي المغترب جورج عساف حيث يقول مخاطبا العربية:

       أفديكِ من لغة أحببتها وطنا      فإنما لغتي في غربتي وطني

مَكْرم عبيد باشا القبطي السياسي الكبير في حزب الوفد المصري الذي عرفته شخصيا يقول: “نحن مسلمون وطناً ونصارى ديناً، “. جورج عساف ومكرم عبيد والكثير من المسيحيين العرب هم أكثر وطنية من الفرنكفونيين الجزائريين…

أما عن المعلمين المصريين فقد طلب سنة 1962 حبيب اللغة العربية أحمد بن بله من جمال عبد الناصر مد الجزائر بمعلمين مصريين للمساهمة في تعريب التعليم في الجزائر، فأمر عبد الناصر بأن يُختار خيرة المعلمين لإرسالهم للجزائر وبأن يستمروا في تناول مرتباتهم في مصر حتى يتركوا عائلاتهم بها تجنبا لتكليف الدولة الجزائرية بأعباء السكن العائلي، وأدى هؤلاء المعلمون دورهم مع إخوانهم من سأئر الأقطار العربية التي هبت نتيجة لاجتماع اتحاد المعلمين العرب في بيروت سنة 1963 من أجل مساعدة الجزائر في التعريب، وقد ترأس وفد الجزائر المرحوم علي مفتاحي من وهران الذي طلب باسم الجزائر معلمين لمساعدتها على تعليم اللغة العربية في المدارس الجزائرية. وهب المعلمون من سأئر الأقطار العربية من الكويت مثلا، ومن العراق ومن سوريا ومن السعودية ومن اليمن وغيرها من البلدان العربية، وأذكر أن رئيس جمهورية العراق أحمد حسن البكر كان يفتخر بأن ابنته ساهمت في عملية التعريب في الجزائر. ليعلم الزاوي بأن العديد من المعلمين العرب المسيحيين ساهموا في عملية التعريب. هؤلاء المعلمون العرب أطّروا آلاف المعلمين الجزائريين الذين كونتهم مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، هذه التي علّمت أربعين ألف طفل وطفلة العربية بين 1931 و1962.

   * يقول الزاوي بأن عيب التعريب أن العربية جاءت على حساب الأمازيغية، غريب أمر هذا الرجل الذي هو عربي وأنا أمازيغي أنتمي إلى أكبر قبيلة أمازيغية وهي قبيلة اللمامشة. هذه النغمة أوجدها الفرنسيون بعد 1830 ، قبل هذا ألتاريخ من الفتح الإسلامي وحتى الحكم العثماني في القرن السادس عشر الميلادي تداولت على حكم المغرب العربي ثلاث عشرة أسرة أمازيغية ابتداء من الدولة الرستمية التي كانت أعظم دولة، لم يحدث أن قال أمير من أمرائها أن العربية ليست لغتي بل خدموا اللغة العربية كابن معطي الزواوي الذي نظم النحو العربي في ألف بيت سابقا ابن مالك بمائة سنة، وليكن في علم الزاوي أن البُصيري صاحب قصيدة البردة المشهرة أمازيغي قبائلي مولود في مدينة دلّس، البُرْدة التي يتغنى بها مليار ونصف المليار مسلم. الفرنكفونيون يضربون العربية بالأمازيغية خدمة للغة الفرنسية لا للغة الأمازيغة.

   *ـ يقول الزاوي بأن بالجزائر ثلاث  لغات لا بد من الاعتراف بها كلغات رسمية هي الفرنسية والعربية والأمازيغية، وهذا الرأي مستمد من نظرية الاستعمار الفرنسي الجديد الذي يقول بأن في المغرب العربي أربع لغات هي العربية الفصحى ، والعربية الدارجة، والفرنسية، والأمازيغية، بينما يرى الفرنسيون أن في فرنسا لغة واحدة هي الفرنسية متجاهلين ست لغات جهوية بفرنسا رافضين الاعتراف بها بحيث وزير الخارجية الفرسي السابق شوفينمون يصرح بما يلي: “الاعتراف باللغات الجهوية معناه بلقنة فرنسا أي تدمير الوحدة الوطنية الفرنسية” وهذا رأي الفرنسيين الوطنيين أسياد الفرنكفونييين الجزائرييين.

   *ـ يشير الزاوي إلى الروائي الجزائري الأصيل مالك حداد الذي قال فيه الكاتب الفرنسي الكبير لوي أراغون: “أعذب شعر فرنسي قرأته ما نظمه مالك حداد”. فيجيبه مالك حداد بما يلي: “أنت مخطئ يا أراغون أنا لا أغني بل أرطن، لو كنت أعرف الغناء لغنيت بالعربية.. الفرنسية فرضت علي أن أنادي أمي ما مير بدل يمّا.. الفرنسية ليست لغتي بل هي منفاي”. مع العلم أن مالك حداد قبائلي أمازيغي لكن الزاوي عربي… مالك حكم على نفسه بعد الاستقلال ألا يؤلف بالفرنسية لأنه يرى أن التأليف ينبغي أن يكون بالعربية في الجزائر المستقلة. علما بأن كاتب ياسين الفرنكفيلي عربي وليس أمازيغيا…

   ـ* يعيب الزاوي على التعريب أن الجيل الجديد لا يحسن العربية، المذيعون والمذيعات الجزائريون بالفضائيات العربية يحسنون العربية أفضل من زملائهم العرب وقد درسوا في المدرسة الجزائرية، قامت الفضائية الأمريكية س ن ن ِCNN باستقصاء عن أفضل مذيعة عربية شارك فيه عشرات المذيعات من الأقطار العربية وفازت خديجة بن قنّة الجزائرية على الرتبة الأولى وهي متعلمة في المدرسة الجزائرية. الضعف في تعلم لغة المدرسة يشكو منه حتى المعلمون الفرنسيون نتيجة لسطوة التلفزة والأنترنيت على وقت التلميذ ، فمعلمة فرنسية تقول إنها تلقت رسالة من تلميذة لها نجيبة كتبت فارماسي بالــ f وليس بالــ ph

   خلاصة القول: نقول لأمين الزاوي ولغيره من الفرنكفونيين الجزائريين: مارسوا حياتكم بالفرنسية فأنتم أحرار، لكن لا تفرضوها على الشعب الجزائري الذي عانى ما عانى من ذويها قرنا وثلث قرن. نحن دعاة العربية نقرأ بلا تعصب الكتب بالفرنسية كلغة إنسانية لغة فولتير ولا لغة لاكوست. ليكن في علم الزاوي الذي يكتب روايات له بالفرنسية أن الكتاب الفرنسيين يكتبون رواياتهم بالفرنسية وتترجم للغات العالم.

رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية

0 التعليقات:

إرسال تعليق