الاثنين، 21 ديسمبر 2015

اما الاشتراكية او البربرية


اما الاشتراكية او البربرية

kamal-majeed5


البروفيسور كمال مجيد

هكذا انذرالفيلسوف الالماني فريدريك انجلس ( 1820 –1895) البشرية وطلب منها ان تختار بين الراسمالية والاشتراكية. انه ادرك كيف نمت الرأسمالية وانتشرت من مركزها الاوروبي الى بقية انحاء العالم عن طريق الحروب الظالمة. ومع انهيار المعسكر السوفياتي رسميا ً في 26/12/1991 تأجلت فكرة الاشتراكية فأهلا ً وسهلا ً بالبربرية. وتحضيرا ً لها نشر الرئيس الامريكي جورج بوش ( الاب ) مبدأه المعروف كـ

 ( نشر في الغارديان اللندنية في 25/3/1991 ) وفيما Bush Doctrine

 يخص العام الثالث ينص المبدأ:-

((في الحالات التي تجابه الولايات المتحدة عدوا ً ضعيفا ً فان مهمتنا لا تقتصرعلى قهره فحسب بل على قهره بصورة حاسمة وسريعة… وذلك لأن أي تصرف آخر سيكون بمثاية العار لنا وسيقلل من هيبتنا السياسية في العالم. ))

لقد سمى وزير خارجيته جيمس بيكر هذا المبدأ بـ (( النظام العالمي الجديد.))

وبدأت الدعاية لهذا النظام البربري تقيم الدنيا دون ان تقعدها لاظهار الجبروت الامريكي الذي سيسود العالم بحجة كونه ارقي انواع الديمقراطية.

لقد شاهد العالم البربرية الامريكية باجلى صورتها في حرب الكويت ويمكن ادراك شراستها بالرجوع الى التقريرين التاليين:-

التقرير الاول:- صادر من الضباط الامريكان الذين قادوا الحرب على العراق ونقله باتريك سلويان في الغارديان في 13/9/1991 وينص:-

((والطريقة الاخرى للقتل كانت باستعمال مكائن نقل التراب والجرّافات المنصوبة على الدبابات لحفر خندق طوله 70 ميلا ً لدفن الالوف من الجنود العراقيين وهم احياء.. في حين لم يمت جندي امريكي واحد اثناء الهحوم لأنهم كانوا داخل عجلات مصفحة لا تتأثر بالاسلحة العراقية الخفيفة. )) (للتفاصيل راجع:-

Patrick Sloyan, ‘‘Iraqi Troops Buried Alive Says American Officers’’

التقرير الثاني:- صادر من الصليب الاحمر ونقله روبرت فيسك في جريدة اندبندنت في 5/8/1991 وينص:-

(( لقد شاركت الوحدات الامريكية والبريطانية في الدفن السريع للالوف في الصحراء. وبعد 6 اشهر من نهاية الحرب فشلت القوات المتحالفة في تقديم حتى اكثر الاحصائيات غموضا ً حول عدد القتلى العراقيين، وذلك خلافا ً لميثاق جنيف..)) (للتفصيل راجع:-

Robert Fisk, Known unto God and the U.S.  Army High Command

 وبعد تحطيم البنية التحتية للعراق استمرت الماكنة الحربية الامريكية مباشرة ً لتدمير الصومال كما قامت بتفتيت يوغسلافيا الى سبع دويلات، تلتها افغانستان ثم السودان ثم احتلال العراق في 2003 ثم جاء دور سوريا وليبيا واليمن. والملاحظ ان قسوة القتل اخذت تشتد وتتوسع ساحتها بصورة مستمرة. الى درجةان الامريكان استخدموا الذخائر المغطاة باليورانيوم المخصب في كل من العراق وافغانستان ويوغسلافيا دون رحمة.

لقد ركزت امريكا في بداية الامر على قهر الشعوب الصغيرة وفي 1/5/2001 اخرج الرئيس بوش (الابن) سياسته الصاروخية الى العلن واكد على (( ان المشروع موجه ضد الحكومات الارهابية مثل ايران وليبيا والعراق وكوريا الشمالية … وان هذه الدول تملك القابلية على الهجوم الصاروخي على الولايات المتحدة … وان الحكومة في كوريا الشمالية تملك الآن صواريخ تستطيع الوصول الى نيويورك. )) الا انه وسع اهدافه ليشمل روسيا الاتحادية. ففي نفس التصريح اعلن عن (( الغائه لاتفاقية سنة 1972 بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة حول حظر استخدام الصواريخ البالستية.)) حتى دون استشارة حكومة بوتين الروسية فاشتد التوتر العالمي. والاغرب من كل هذا نشرت جريدة نيويورك تايمز في 20/5/2001 خبر قيام الحكومة الامريكية بمعارضة مشروع اقترحته حكومة بلير البريطانية ووافقت عليه 143 دولة لتحريم استخدام الاسلحة الجرثومية.

لتنفيذ اهدافها تغير الحكومة الامريكية سياستها كلما اقتضت الحاجة. فلاضعاف بل حتى لاسقاط حكومة ايران الفتية، مثلا ً، اتفقت مع حكومة البعث في العراق للزحف عليها مع المساندة المالية من السعودية والكويت ودول الخليج الاخرى ومع المساندة العسكرية من حسني مبارك والملك حسين. ولكن في حربها لاحتلال العراق، فيما بعد، اتفقت مع حزب الدعوة، بعد سفرة الدكتور ابراهيم الجعفري (الموقـّع على بيان الشيعة مسبقا ً) الى امريكا، لاسقاط البعث عن الحكم وتفليش الدولة وجيشها. اما الآن انها تبادر المباحثات في الدوحة ودار السلام بين حزب البعث ومبعوثه عبد الصمد الغريري وبين الحكومة في بغداد، بحجة “المصالحة الوطنية” كما صرح بذلك القيادي في حزب البعث صلاح المختار في جريدة الوطن، البوابة الالكترونية الشاملة، يوم الثلاثاء 8/9/2015 ، النسخة الورقية العدد 1227.

هذه هي البربرية الراسمالية الامريكية التي تدير الآن الحروب القائمة في الشرق الاوسط، وذلك بمشاركة تركيا وشيوخ الخليج، وتوجهها لا ضد العراق او سوريا او اليمن فحسب بل ايضا ً لتوسيعها لتشمل ايران وروسيا وحتى الصين.

ما هي اهداف امريكا في عدوانها العسكري على شعوب العالم، من كوريا وفيتنام ولاوس وكمبوديا وافغانستان ويوغسلافيا والعراق وسوريا وفلسطين والصومال والسودان وليبيا واليمن وكونغو وحتى نيكاراغوا وكوبا وباناما وغرينيدا وهايتى؟ يجيب على هذا السؤال وليام بلوم، الموظف الكبير في وزارة الخارجية الامريكية حتى سنة 1967 في كتابه:

William Blum, Rougue State, Zed Books, London,2001, pages 13 and 14

كما يلي بالنص:-

اولا ً: –  لجعل الكرة الارضية مفتوحة ومرحبة لما يعرف حاليا ً بالعولمة وخاصة للشركات الامريكية العابرة للاوطان. ( العولمة هنا تعني الاستعمار.)

ثانيا ً: –  لتعزيز ثروة الشركات المنتجة للاسلحة، تلك التي تتبرعت بسخاء عند انتخاب رئيس للجمهورية واعضاء للبرلمان.

ثالثا ً: –  لمنع قيام اي نظام آخر قد ينجح في بناء مجتمع بديل للنموذج الرأسمالي (اي التمسك بالبربرية بدل الاشتراكية مثلما انذر انجلس اعلاه.)

رابعا ً: –  لنشر الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية على اوسع قدر ممكن من الكرة الارضية. لمنع قيام اية قوة اقليمية (كروسيا ) تتحدى السيادة الامريكية. ولخلق نظام عالمي يعكس صورة امريكا، تلك التي تليق بالقطب الاوحد في العالم.

لكن روسيا والصين كقوى عالمية بل حتى ايران وسوريا، كقوى اقليمية، خرجن لتحدي السياسة الامريكية علنا ً ! فلا بد من ان تقوم امريكا بقهرهن، طبقا ً لمبدأ بوش المدون اعلاه. الا أن روسيا دولة عظمى تملك ترسانة ضخمة من القنابل الهيدروجينية والصواريخ العابرة للقارات ذاة الرؤوس النووية التي تستطيع محو الولايات المتحدة بل محو العالم كلها. هذه الحقيقة اخذت فعلا ً تزعج امريكا بعد زوال السكـّير يلتسن. ولهذا قررت امريكا كسر شوكتها تدريجيا ً حتى يتم قهرها واخضاعها، متجنبة ًالاصطام النووي المباشر معها. ذلك لأن الحرب النووية تحطم الطرفين. فالخيار المفتوح لامريكا هو التركيز على الحروب المحلية، كالحرب في فيتنام، اوحروب الوكالة، باستخدام الدول الاخرى، تلك التي تصفها بالدول ” المعتدلة ” كقطر والسعودية اوباستخدام المرتزقة كعصابات الكونترا ضد نيكاراغوا وشركة بلاك ووتر في اليمن.

من الجدير بالذكر ان هذه الحروب كلها لها فوائد اخرى لامريكا. فخلال الحرب في فيتنام، مثلا ً، تمكنت من تجربة اسلحتها الجديدة للتأكد على جدارتها، كما انها تمكنت من بناء قواعد عسكرية لها في كل من فليبين وتايلاند واندونيسيا. وحتى بعد فشلها تمكنت من الدخول الى فيتنام ولاوس وكمبوديا بحجة معالجة المرضى المصابين بالسرطان ومن ثم القيام باستغلال هذه البلدان اقتصاديا ً. انها ربحت حتى عندما استخدمت عصابات الكونترا لأنها اخذت تبيع الاسلحة الى كل من العراق وايران وتصرف جزء ً من ارباحها على المرتزقة. الا ان حرب الكويت كانت اكثر الحروب فائدة لانها احتلت كل الخليج فسيطرت على 60% من نفط العالم، ثم ان ملوك الخليج دفعوا كل تكاليف الحرب وربحت الشركات المنتجة للسلاح البلايين لبيع منتجاتها لهم.

 ان مراقبة التصرفات الامريكية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي تظهر بوضوح تركيزها على مجابهة روسيا الاتحادية بالدرجة الاولى. فمع ظهور الدلائل التي تشير الى قرب سقوط الدولة السوفياتية قررت تفتيت يوعسلافيا مستخدمة ً القوات الدينية التي كانت تعمل مع بن لادن في افغانستان ضد القوات الروسية التي دخلت هناك بدعوة من الحكومة الافغانية. ثم ادخلت امريكا كافة دول حلف وارسو، في اوروبا الشرقية، الى حلف الاطلسي.

 لقد شاهد العالم قيام امريكا بحصر روسيا حين ادخلت الجمهوريات السوفياتية السابقة استونيا وليثوانيا ولاتفيا في حلف الاطلسي ثم تأسيس قواعد عسكرية امريكية في اوزيكستان وقرغيزيا في شرق روسيا على الحدود الصينية واقناع قازاقستان واوكرانيا التخلص من ترسانتهما من الاسلحة النووية. ثم قامت امريكا بطرد شفرناتزة، الذي كان حليفا ًوفيا ً لامريكا في عملية القضاء على الاتحاد السوفياتي، من رئاسة الجمهورية في جورجيا، كما صرح بذلك شفرناتزة في حينه. تلى ذلك خلق الاصطدام المسلح بين جورجيا وروسيا حول اوسيتيا وثم ارسال الجيوش الامريكية الى جورجيا بحجة الدفاع عنها. ثم جاء دور اوكرانيا باحداث انقلاب فاشستي هناك لطرد رئيسها المنتخب وخلق الحرب الاهلية المستمرة حتى الآن.

كانت للاتحاد السوفياتي ثلاث قواعد في العراق وليبيا وفي طرطوس في سوريا. وبعد احتلال العراق والهجوم على ليبيا بقيت لروسيا القاعدة السورية وحدها، فتدخلت القوات الخاصة الامريكية لتغيير الحكم هناك لكي  تعترف الحكومة ” المعتدلة ” الجديدة باسرائيل ، دون اعادة الجولان ثم تطرد روسيا من طرطوس فلا يستطيع الاسطول الروسي حتى من دخول البحر المتوسط.

ادركت حكومة بوتين عداء امريكا لها فقررت الدفاع عن حليفتها السورية المتعاقدة معها باتفاقية الدفاع المشترك. قررت روسيا ارسال طائراتها للدفاع عن سوريا فجن جنون امريكا التي اخذت توسع ساحة الحرب بالاعتماد على كل من تركيا والسعودية. فامريكا تعمل على منع روسيا من دخول المنطقة بينما ردت روسيا بقصف اعداء الحكومة السورية بصواريخ من بحر قزوين وجلبت اسطولها وغواصاتها وصوايخ اس 400 الجبارة ثم فتحت لنفسها قاعدة جديدة في حميميم قرب اللاذقية وكل هذا للتحضير لحرب واسعة. اذن تغيرت طبيعة الحرب السورية وخرجت من كونها حرباً محلية، غرضها ” تبديل ”  بشار الاسد بفرد آخر. انها الآن حرب شاملة وطويلة الامد، تلعب فيها تركيا والسعودية دورا ً رئيسيا ً. ان هذا التغير الجذري اوجب ايضا ً توسيع الحرب لتشمل العراق وايران من جهة و 34 دولة صديقة لامريكا وباموال وقيادة  السعودية من الجهة الاخرى. وهذا ما تريده امريكا التي تنوي استخدام البيادق المحلية لطرد روسيا من المنطقة كلها بل انهاكها واضعافها ثم اخضاعها. ولهذا ايضاً دخلت القوات التركية الى العراق واعلنت عن عدم نيتها الخروج منه، لا لكسر شوكة حيدر العبادي فحسب بل للعمل مع قوات مسعود البارزاني لاحتلال الموصل ومن ثم التوجه نحو الحدود الايرانية.

ولتوسيع مسرح القتال ايضا ً اعلن السناتور جون ماكين، رئيس لجنة شؤون القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الامريكي، ومعه السناتور ليندسي غراهام في بغداد، في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر، عن تشكيل قوة من 100 الف عسكري، يشكل الامريكان عشرة آلاف منها والباقي من الدول ” السنية ” لمحاربة الارهاب. انهما ابلغا حيدر العبادي بالموضوع باسلوب غير لائق بمقام القائد العام للقوات المسلحة العراقية كلها. ويقول عبد الباري عطوان في مقالته في رأي اليوم الغراء في 15/12/2015 ان قرارتشكيل هذه القوة قد صدر فعلا ً. وفي نفس التأريخ شكر السناتور ماكين السعودية لتشكيل ” التحالف الاسلامي” واكد على ان اعضاء التحالف (( حريصون على الاطاحة ببشار الاسد بالقدر نفسه من التصميم الذي يبدونه في الحاق الهزيمة بالدولة الاسلامية وفي نواح كثيرة يمثل الاسد خطرا ً اكبر …)) واضاف (( ان السعوديين والآخرين وضعوا استراتيجية خاصة بهم من اجل مواجهة “الدولة الاسلامية” والخطر الايراني على حد سواء.)) والملاحظ ان تصريحات السناتور تختلف بعض الشئ عما كتبته السيدة هيفاء زنكنة في7/12/2015 حين اكدت في القدس العربي على ان ((الثالوث غير المقدس )) امريكا وايران وداعش   يعملون معا ً ضد العراق.

 ان هذه الاحداث المخيفة تشير الى أن الحرب القائمة سوف تتوسع وتدوم، الى درجة يتنبأ عبد الباري عطوان، في مقالته في 16/ 12/ 2015 بالقول: ((اننا باختصار شديد، ننجرف الى هاوية حرب سحيقة ستأكل اولادنا، واموالنا، وستدمر دولنا، قد تستمر لعقود ان لم يكن لقرون.)) هذه هي البريرية بعينها وان الارهاب الداعشي عبارة عن مظهر تافه من مظاهرها. ان سقوطها سيولد حركات مقاومة حقيقية ارقى من التخلف الداعشي. ذلك لأن الغضب المعادي للغرب الاستعماري ناتج عن استمرار البربرية الرأسمالية في فرض سلطانها الذي يمنع الشعوب، بقوة السلاح، من نيل حق تقرير مصيرها. اذن هناك، من جديد، الضرورة الماسة لترك التعصب والانحياز الطائفي والمناطقي وتوحيد الجماهير المليونية من كل الشعوب المهددة وذلك للثورة على هذه البربرية. والى الامام!

كاتب عراقي

0 التعليقات:

إرسال تعليق